الفصل الأول: صيف في بلدة هيليوس
وصلت "كورا" إلى بلدة هيليوس مع شعور بأنها خطت إلى داخل بطاقة بريدية قديمة. الشمس كانت ذهبية، والهواء يحمل رائحة الزهور البرية والأرض الرطبة. كانت البلدة صغيرة بشكل يبعث على الطمأنينة والملل في آن واحد، مجموعة من المنازل والمتاجر المتراصة على جانبي شارع رئيسي واحد، وكل شيء فيها يبدو غارقًا في ضوء الشمس.
كانت والدتها، "دينا"، قد اشترت مزرعة هنا قبل عامين، وحولتها إلى جنة عضوية مزدهرة. دينا، بعينيها الدافئتين وقلقها الدائم، استقبلت كورا بعناق طويل. قالت والبسمة على وجهها: "أهلاً بكِ في عالم خالٍ من ضوضاء المدينة يا ابنتي. هنا، كل شيء ينمو ببطء وسلام".
لكن كورا، الفنانة الشابة التي اعتادت على إيقاع المدينة الصاخب، شعرت بأن هذا البطء يخنقها. في الأيام الأولى، كانت تستكشف البلدة. لاحظت أن هناك انقسامًا غريبًا فيها. كان هناك "جانب الشمس"، حيث تقع مزرعة والدتها والمتاجر المشرقة، والجميع فيه يبتسمون ويتحدثون بصوت عالٍ.
ثم كان هناك "جانب الظل". على الحافة الغربية للبلدة، حيث تبدأ الغابة الكثيفة في التهام التلال، يقع منجم "شادو كريك" القديم والمهجور. كان أهل البلدة يتحدثون عنه بالهمس. لقد كان ملكًا لرجل لم يره أحد تقريبًا، رجل يعيش في عزلة تامة، واسمه "آيدن".
"لا تذهبي إلى هناك يا كورا"، حذرتها والدتها ذات مساء. "هذه الأرض غير مستقرة، والرجل الذي يعيش هناك... هو ليس مثلنا".
كانوا يصفونه بأنه شبح، "ملك العالم السفلي" للبلدة. قالوا إنه لا يظهر إلا في جوف الليل، وأن المنجم يحمل معه لعنة قديمة. كل هذه الحكايات لم تفعل شيئًا سوى إثارة فضول كورا الجامح. من هو هذا الرجل الغامض الذي يخشاه الجميع؟ وما السر الذي يختبئ في ظلال منجم "شادو كريك"؟
في إحدى الليالي، بينما كانت النجوم تلمع بوضوح لم تره من قبل في سماء المدينة، وقفت كورا عند نافذة غرفتها. نظرت باتجاه التلال المظلمة، حيث لم يكن هناك أي ضوء سوى ضوء القمر الباهت. شعرت بسحب غريب، نداء من الظلام.
قررت في تلك اللحظة. ستذهب إلى هناك. ستكتشف بنفسها حقيقة الرجل الذي يعيش في الظل.
↚الفصل الثاني: همسات في الظل
في الليلة التالية، تسللت "كورا" من المزرعة بعد أن تأكدت من أن والدتها قد نامت. كان القمر بدراً، يلقي ضوءً فضياً على الطريق، مما جعل رحلتها أسهل. كل خطوة كانت تأخذها بعيدًا عن "جانب الشمس" المألوف، وتقربها من الغموض. تغير الهواء، أصبح أكثر برودة، وبدت ظلال الأشجار وكأنها أصابع طويلة وممتدة تحاول إمساكها.
وصلت إلى سياج قديم وصدئ يحمل لافتة باهتة: "منجم شادو كريك - ملكية خاصة". تجاهلت التحذير وتسلقت السياج بسهولة. كانت الأرض أمامها مختلفة. العشب كان متناثراً، وكل شيء يبدو وكأنه مغطى بغبار رمادي ناعم. في وسط الساحة، كان مدخل المنجم يظهر كفجوة مظلمة تبتلع ضوء القمر.
لكن ما لفت انتباهها لم يكن المنجم، بل شيء غير متوقع على الإطلاق. إلى جانب المدخل، كان هناك حوض حجري قديم، وبداخله كانت تنمو زهور لم ترها من قبل. كانت أزهاراً شاحبة، بلون اللؤلؤ، وتتوهج ببريق خافت تحت ضوء القمر. بدت وكأنها مصنوعة من ضوء النجوم نفسه. من يعتني بهذه الأزهار الرقيقة في مكان مهجور كهذا؟
انحنت لتلمس إحدى البتلات الناعمة، وفي تلك اللحظة، سمعت صوتاً عميقاً وهادئاً خلفها.
"هذه زهور القمر. لا تزهر إلا في الظل".
انتفضت كورا والتفتت بسرعة. كان يقف هناك، طويل القامة، يرتدي ملابس داكنة وبسيطة. لم يكن شبحاً، بل رجلاً حقيقياً. كان "آيدن". لم يكن مظهره مخيفاً كما وصفوه. كانت ملامحه حادة، وعيناه داكنتان وعميقتان كليل بلا نجوم. كان هادئاً، لكن هدوءه كان يحمل ثقلاً، كهدوء عاصفة على وشك الحدوث.
"ما الذي تفعلينه هنا؟" سأل، ونبرته كانت خالية من أي تهديد، لكنها كانت تحمل فضولاً حذراً.
ابتلعت كورا ريقها، محاولة استجماع شجاعتها. "أنا... أنا فنانة. أحب الأماكن التي تحمل قصصاً".
نظر إليها آيدن مطولاً، وكأن عينيه تستطيعان رؤية ما وراء كلماتها. "هذا المكان قصصه ليست للجميع".
"ربما أنا لست مثل الجميع"، ردت كورا بتحدٍ لطيف.
ظهرت شبه ابتسامة على شفتيه، لكنها لم تصل إلى عينيه. قال: "الظلال هنا أعمق مما تظنين. من الأفضل أن تعودي إلى الشمس قبل أن تضيعي فيها".
استدار ليعود إلى ظلمة المنجم، لكن كورا نادت عليه: "لماذا تظل هنا وحيداً؟"
توقف للحظة، دون أن يلتفت. ثم أجاب بصوت خافت كاد يضيع مع نسيم الليل: "لأن هناك أرواحاً لا يمكنها أن تجد طريقها في النور".
ثم اختفى داخل الظلمة، تاركاً كورا وحدها مع زهور القمر، وقلبها ينبض بسرعة ليس من الخوف، بل من فضول أقوى من أي وقت مضى. لقد رأت شيئاً في عينيه، شيئاً أبعد من العزلة... لقد رأت حزناً عميقاً.
↚الفصل الثالث: أغنية من الأعماق
لم تستطع "كورا" أن تخرج صورة "آيدن" من رأسها. لم يكن الرجل الذي وصفه أهل البلدة، بل كان شخصًا يحمل ثقل العالم على كتفيه. عادت إلى مزرعة والدتها، لكن عقلها ظل عالقاً عند منجم "شادو كريك" وزهوره القمرية الغامضة.
في اليوم التالي، أخذت معها كراسة الرسم الخاصة بها وقلم فحم، وعادت إلى المنجم، ولكن هذه المرة في وضح النهار. كان المكان يبدو أقل تهديداً تحت أشعة الشمس، لكنه ظل صامتاً وموحشاً. جلست على صخرة مقابل مدخل المنجم وبدأت في رسم زهور القمر، محاولة التقاط توهجها الخفي حتى في وضح النهار.
أمضت ساعات وهي ترسم، منغمسة في عملها، حتى أن ضوء النهار بدأ يخفت دون أن تلاحظ. عندما رفعت رأسها، كان الغسق قد بدأ يلقي بظلاله الطويلة على الأرض. نهضت لتغادر، لكنها توقفت عندما سمعت صوتاً يأتي من أعماق المنجم.
لم يكن صوتاً بشرياً، بل كان لحناً. لحن بسيط وحزين، يُعزف على آلة وترية، ربما غيتار قديم. كانت النغمات تحمل شوقاً وألماً، لكنها كانت جميلة بشكل مؤلم. بدت وكأنها صدى لحزن المنجم نفسه.
انجذبت "كورا" نحو الصوت، وخطت بحذر نحو مدخل المنجم المظلم. وقفت عند الحافة، تستمع، وقلبها ينبض بقوة. ثم، بجرأة لم تكن تعرف أنها تمتلكها، نادت بصوت ناعم: "هذا اللحن... إنه حزين جداً".
توقف العزف فجأة. ساد صمت عميق لعدة لحظات، ثم ظهر "آيدن" عند مدخل المنجم، حاملاً غيتاراً قديماً. لم يبد متفاجئاً برؤيتها هذه المرة.
"الحزن يجد صداه في الموسيقى"، قال بهدوء.
اقتربت كورا خطوة أخرى. "لم أكن أعرف أنك تعزف".
"هناك الكثير مما لا تعرفينه"، أجاب، لكن هذه المرة، كانت هناك لمحة من الدفء في صوته. نظر إلى كراسة الرسم في يدها. "هل كنتِ ترسمين؟"
أرته كورا الرسمة. نظر إليها مطولاً، وتغيرت نظرة عينيه. "لقد التقطتِ نورهم... حتى في النهار".
"كل شيء يحمل نورًا بداخله"، قالت كورا بهدوء. "حتى أحلك الأماكن".
جلس آيدن على صخرة عند مدخل المنجم، ووضع الغيتار بجانبه. أشار إلى مكان بجواره، في دعوة صامتة. ترددت كورا للحظة، ثم جلست. جلسا في صمت، يشاهدان آخر خيوط الشمس تختفي خلف التلال. للمرة الأولى، لم تشعر كورا بأنها دخيلة. شعرت بأن هذا الصمت المشترك بينهما يحمل كلمات أكثر من أي محادثة.
"لماذا يسمونك ملك العالم السفلي؟" سألت أخيرًا، كاسرة الصمت.
نظر آيدن إلى المنجم. "لأن هذا المكان هو مقبرة. ليس فقط للحجارة، بل للأحلام أيضاً. وأنا... أنا حارسها".
↚الفصل الرابع: حديقة الأحجار
عادت "كورا" إلى المزرعة، لكن جزءاً منها ظل عالقاً عند مدخل المنجم مع "آيدن". لم تعد رسوماتها مليئة بألوان الشمس والزهور المشرقة. بدلاً من ذلك، امتلأت كراستها بظلال الفحم، صور لوجوه حزينة مخبأة في الصخور، وبزهور القمر التي تتوهج في الظلام.
لاحظت والدتها هذا التغيير. في أحد الأيام، بينما كانت كورا ترسم، جلست دينا بجانبها وقالت بقلق: "فنكِ أصبح حزيناً يا كورا. هل أنتِ بخير؟"
لم تجب كورا مباشرة، لكن والدتها عرفت. تنهدت دينا وقالت بنبرة جادة: "لقد كنتِ تذهبين إلى هناك، أليس كذلك؟ إلى منجم شادو كريك".
عندما أومأت كورا برأسها، أمسكت دينا بيدها. "هذا المكان ليس مجرد منجم قديم يا ابنتي. في الماضي، كان هو قلب البلدة. عمل فيه أجدادنا وآباؤنا، ووضعوا فيه كل أحلامهم. لكن حادثة مروعة وقعت، وأغلق المنجم أبوابه على الكثير من تلك الأحلام... وعلى أرواح أصحابها. وآيدن... عائلته كانت تملك المنجم. إنه يحمل عبء كل تلك القصص".
كلمات والدتها لم تخفها، بل جعلتها أكثر تصميماً على فهم آيدن. في ذلك المساء، بدلاً من التسلل، أخذت سلة صغيرة وضعت فيها بعض الخبز الطازج من فرن والدتها ووعاء من مربى الفراولة. سارت نحو المنجم تحت ضوء الغسق، وقلبها يخفق بعزم هذه المرة، وليس بفضول فقط.
وجدته جالساً في نفس المكان، عند مدخل المنجم، وكأنه كان ينتظرها.
"أتيت مرة أخرى"، قال، وصوته كان يحمل ترقباً.
"لقد أحضرت لك بعض الخبز"، قالت وهي تضع السلة أمامه. "لا يمكنك أن تعيش على الذكريات الحزينة وحدها".
نظر آيدن إلى السلة، ثم إليها، وظهرت في عينيه نظرة امتنان عميقة. لأول مرة، ابتسم ابتسامة حقيقية، ابتسامة غيرت ملامحه بالكامل وجعلته يبدو أصغر سناً وأقل حزناً.
"تعالي"، قال وهو ينهض. "هناك شيء أريد أن أريكِ إياه".
تبعته كورا إلى داخل فم المنجم. لم تكن هناك ظلمة كما توقعت. كانت هناك فوانيس قديمة معلقة على الجدران، تلقي ضوءاً دافئاً وخافتاً. قادها إلى مساحة جانبية صغيرة داخل المنجم، وهناك، رأت ما لم تتوقعه. كانت "حديقة" صغيرة، لكن بدلاً من الزهور، كانت هناك أحجار صغيرة ومصقولة، كل حجر محفور عليه اسم.
"هذه هي أحلام المنجم"، همس آيدن. "كل حجر هنا يمثل عاملاً كان يعمل هنا. كل اسم كان يحمل حلماً... حلم بمنزل، بعائلة، بمستقبل أفضل. أنا أحافظ على ذكراهم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي أعرفها لأقول إنهم لم يُنسوا".
وقفت كورا صامتة، تتأمل الحديقة الحجرية. لقد فهمت الآن. آيدن لم يكن حارس مقبرة، بل كان حارس ذكريات. لم يكن ملك العالم السفلي، بل كان الملك الوحيد لمملكة منسية من الآمال المفقودة.
اقتربت منه ووضعت يدها بلطف على ذراعه. "أنت لست وحدك في هذا يا آيدن".
نظر إليها، وفي تلك اللحظة، في قلب المنجم المظلم، شعرت كورا بأنها وجدت النور الذي كانت تبحث عنه.
↚الفصل الخامس: تصادم العوالم
أصبحت زيارات "كورا" إلى المنجم طقساً يومياً. كانت تقضي فترة ما بعد الظهيرة في رسم الأحجار والظلال، بينما كان "آيدن" يجلس بجانبها، يعزف ألحاناً لم تعد حزينة بالكامل، بل أصبحت تحمل لمحات من الأمل. تحدثا لساعات عن الفن، عن الموسيقى، وعن القصص التي تحملها الصخور الصامتة. لأول مرة في حياته، شعر آيدن بأن هناك من يفهم عالمه، ولأول مرة في حياتها، شعرت كورا بأنها وجدت موضوعاً يستحق أن تكرس له فنها بالكامل.
في إحدى الأمسيات، بينما كانا يشاهدان غروب الشمس، أمسك آيدن بيدها. كانت يده باردة، لكن لمسة أصابعه كانت تحمل دفئاً لم تشعر به من قبل. "أنتِ... أنتِ مثل زهور القمر يا كورا"، همس. "لقد أزهرتِ في ظلمتي".
في تلك اللحظة، رأت كورا مستقبلاً لم تكن تتخيله. مستقبل يجمع بين عالميها. "إذن دعني أحضر بعضاً من شمسي إلى عالمك"، قالت بحماس. "دعنا نقيم معرضاً صغيراً هنا، في البلدة. رسوماتي... وقصصك. ليرى الناس الجمال الذي يختبئ هنا".
تردد آيدن. فكرة الخروج من عزلته كانت مرعبة. "إنهم لا يفهمون يا كورا. سيحكمون على ما لا يعرفونه".
"سأكون بجانبك"، وعدته. "لن تكون وحيداً".
لكن عالم الشمس لم يكن مستعداً بعد. عندما عادت كورا إلى المزرعة في وقت متأخر من تلك الليلة، كانت والدتها تنتظرها عند الباب، ووجهها متجهم.
"لقد كنتِ معه مرة أخرى"، قالت دينا بنبرة حادة. "هذا الرجل يعيش في الماضي، في مقبرة من الحزن. لا يمكنكِ أن تدعيه يسحبكِ معه إلى الظلام".
"أنتِ لا تفهمينه يا أمي!"، دافعت كورا. "إنه ليس مظلماً، إنه فقط... وحيد. وهناك جمال في عالمه، جمال لم يره أحد".
هزت دينا رأسها بحزن. "أنا لا أريد أن أراكِ تتأذين. هذه البلدة لها قواعدها، وهذا الرجل كسرها منذ زمن طويل. إذا استمررتِ في رؤيته، فإنكِ تضعين نفسك في مواجهة الجميع".
كانت هذه هي المرة الأولى التي تتصادم فيها كورا مع والدتها بهذا الشكل. أدركت أن الأمر أكبر من مجرد فضول أو قصة حب ناشئة. لقد كان صراعاً بين عالمين، بين النور والظل، بين التقبل والرفض.
وقفت كورا أمام خيار صعب. هل تتراجع وتعود إلى عالم الشمس الآمن الذي تنتمي إليه، أم تقف بجانب الرجل الذي أضاءت عالمه، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة العالم بأسره؟
↚الفصل السادس: جسر من ضوء القمر
أمضت "كورا" ليلة طويلة تتأمل في غرفتها، والصدام بين حبها لـ "آيدن" وحبها لوالدتها يمزقها. نظرت من النافذة، فرأت ضوء الشمس يغمر حقول والدتها من جهة، وظلال المنجم الصامتة من جهة أخرى. في تلك اللحظة، أدركت الحقيقة. لم يكن عليها أن تختار. كان عليها أن تبني جسراً.
في الصباح، وبدلاً من المجادلة، عانقت والدتها وقالت بهدوء: "أنا أحبك يا أمي، ولن أتخلى عنكِ. ولكني أحبه أيضاً، ولن أتخلى عنه. وبدلاً من الاختيار، سأريكِ ما أراه أنا".
لم تنتظر "كورا" موافقة أحد. أمضت الأيام التالية في العمل بحمى لم تعرفها من قبل. قامت بتعليق لوحاتها الفنية - رسومات الفحم التي تصور وجوه المنجم، والظلال الراقصة، والأحجار الحالمة - على السياج القديم الذي يفصل بين البلدة وأرض المنجم. حولت هذا الحاجز إلى معرض فني في الهواء الطلق، جسر مرئي بين العالمين.
عندما رآها "آيدن" تعمل وحدها، خرج من عزلته للمرة الأولى في وضح النهار الكامل. سار نحوها، وقلبه ينبض بالخوف والأمل. "ماذا تفعلين؟" سأل.
"أنا أريك شجاعتك"، أجابت وهي تبتسم. "لقد حافظت على هذه القصص وحيداً لفترة طويلة. حان الوقت ليسمعها الآخرون".
في يوم افتتاح معرضها غير الرسمي، أحضر آيدن كرسيه وغيتاره، وجلس بجانب الرسومات. لم يكن هناك الكثير من الناس في البداية. كان أهل البلدة يمرون، يلقون نظرات فضولية وحذرة، ثم يكملون طريقهم. شعرت كورا بلحظة من اليأس، لكن آيدن نظر إليها نظرة مطمئنة، وبدأ يعزف.
كان اللحن الذي عزفه هذه المرة مختلفًا. كان لا يزال يحمل حزن الماضي، لكنه كان ممزوجاً بنغمة جديدة، نغمة أمل هادئة. لفتت الموسيقى انتباه الناس. توقفوا للاستماع. اقتربوا لرؤية الرسومات.
كانت والدتها "دينا" تراقب من بعيد، وقلبها قلق.
ثم حدث شيء ما. اقترب رجل عجوز من إحدى لوحات "حديقة الأحجار". أشار إلى اسم على حجر مرسوم، وقال بصوت متقطع: "هذا... هذا كان اسم جدي. كان يقول دائمًا إنه سيدخر ما يكفي من المال ليشتري قاربًا".
كسرت كلماته حاجز الصمت. اقتربت امرأة أخرى وقالت: "وهذا! هذا كان عمي. كان يحلم بأن يرسل ابنته لتدرس الموسيقى في المدينة".
واحداً تلو الآخر، بدأ الناس يشاركون قصصهم وذكرياتهم. لم يعودوا يرون منجماً ملعوناً، بل رأوا تاريخهم، أحلام أسلافهم. نظروا إلى "آيدن" ليس كشبح، بل كحارس لذاكرتهم الجماعية.
تقدمت "دينا" ببطء، ووقفت بجانب "كورا". نظرت إلى رسومات ابنتها، ثم إلى "آيدن" الذي كان يعزف وقلبه مفتوح، وإلى أهل البلدة الذين تحولوا من قضاة إلى رواة قصص. أدركت أن كورا لم تنجذب إلى الظلام، بل أحضرت النور إليه.
وضعت ذراعها حول ابنتها وهمست: "لقد كنتِ على حق. هناك جمال هنا".
عند غروب ذلك اليوم، لم يعد السياج حاجزاً، بل أصبح نقطة التقاء. جلس أهل البلدة، بمن فيهم "دينا"، يستمعون إلى موسيقى "آيدن"، بينما تشرح "كورا" القصص الكامنة في رسوماتها.
لم يعد هناك "جانب شمس" و "جانب ظل" في بلدة هيليوس. لقد أصبح هناك مكان واحد، مكان يتذكر ماضيه بينما يتطلع إلى مستقبل يمكن أن ينمو فيه الحب وزهور القمر جنباً إلى جنب. وقفت كورا بجانب آيدن، يداً بيد، يشاهدان آخر خيوط الشمس الذهبية تلامس مدخل المنجم، وكأنها تبارك هذا الجسر الذي بنته فنانة شجاعة، وحب وُلد في قلب الظلال.
النهاية